حلول مبتكرة للمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة: تحدي تمويل سلاسل التوريد من مركز التكنولوجيا المالية – جوين

إحدى أكبر التحديات التي تواجه المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة (MSMEs) اليوم هي مسألة تمويل رأس المال العامل. ببساطة، يشير ذلك إلى السيولة التي تحتاجها الشركات لتسيير عملياتها اليومية، مثل دفع رواتب الموظفين، وتغطية التكاليف التشغيلية، وتلبية طلبات العملاء. وعلى الرغم من أن الحاجة إلى رأس المال العامل أمر شائع بين جميع الشركات، فإن المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة تجد نفسها في موقف صعب بشكل خاص.

تشكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر 99.5% [1] من المؤسسات في الأردن، مما يجعلها العمود الفقري للاقتصاد الوطني. وعلى الرغم من دورها الحيوي، تواجه هذه المؤسسات تحديات كبيرة عند محاولة الحصول على التمويل من البنوك ومؤسسات التمويل الأصغر. ويؤدي هذا "الفراغ التمويلي" إلى قيود حادة في السيولة تعيق نمو هذه الأعمال. وحتى عندما تمتلك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ضمانات، فإنها غالباً ما تكون غير مسجلة، مما يزيد من تردد الجهات الممولة بسبب ما تراه من مخاطر وعدم استقرار.

نتيجة لذلك، يتم استبعاد العديد من هذه الشركات من قنوات التمويل التقليدية، مما يدفعها للاعتماد على بدائل أقل ملاءمة. على سبيل المثال، قد تلجأ الشركات إلى التفاوض مع المشترين أو الموردين لتمديد فترات السداد، مما قد يوفر بعض المرونة، ولكنه في الوقت نفسه يضع ضغطًا كبيرًا على التدفق النقدي. وقد يضطر المورد إلى الانتظار لمدة 90 يومًا للحصول على مستحقاته من المشترين، في حين يحتاج إلى تمويل رأس المال العامل الخاص به خلال تلك الفترة. يؤدي هذا إلى حلقة مفرغة من الضغوط المالية على المشترين والموردين، وغالبًا ما تجد المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة نفسها خارج سلاسل التوريد الرئيسية.

إن هذا التحدي يتطلب حلولًا مبتكرة ومستدامة لضمان قدرة هذه المؤسسات على الازدهار والحصول على التمويل اللازم، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد بشكل عام.

________________________________________

تحدي تمويل سلاسل التوريد: خطوة نحو الحلول

استجابةً لهذه الحاجة الملحّة، أطلق مركز التكنولوجيا المالية – جوين التابع لجوباك، بالشراكة مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ، تحديًا للشركات في أيلول 2023 تحت اسم "تحدي تمويل سلاسل التوريد" بهدف اكتشاف وتقديم حلول مبتكرة لمعالجة تحديات تمويل سلاسل التوريد التي تواجهها المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في الأردن. يستهدف هذا التحدي الشركات الكبرى والشركات الناشئة المسجلة في الأردن، بالإضافة إلى الشركات التي يمتلكها أردنيون، بهدف تمكين السوق الأردني وتعزيز دور جميع الأطراف الفاعلة.
خلال هذا التحدي، تنافست الشركات الناشئة والمؤسسات على تقديم حلول تمويل لسلاسل التوريد تتيح تدفق نقدي أكثر كفاءة وتساعد في دعم نمو الأعمال. لا يقتصر هذا النهج على تحسين السيولة للمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، بل يعزز أيضًا العلاقات بين المشترين والموردين. فمن خلال ضمان وصول الموردين إلى رأس المال العامل بسهولة، يمكنهم تلبية الطلبات، وتوسيع عملياتهم، والتركيز على النمو طويل الأجل بدلًا من مجرد النجاة مالياً.
شاركت البنوك الراعية في التحدي منذ بدايته لضمان أن تكون جميع الحلول المقدمة قابلة للتطبيق والتنفيذ. وفي النهاية، كان من المقرر أن تقوم الحلول الفائزة بتنفيذ إثبات المفهوم (PoC) بالتعاون مع البنوك الراعية.

________________________________________

معايير الأهلية وخارطة طريق تحدي تمويل سلاسل التوريد: من الاختيار إلى التنفيذ

لضمان اختيار أفضل الحلول، تم تحديد بعض معايير الأهلية الأساسية لتوجيه عملية الاختيار:
•    كان على الشركات المتقدمة إثبات قدرتها على تنفيذ إثبات المفهوم (PoC) في غضون  60 يومًا من الاختيار، مما يضمن التنفيذ الفعّال وفي الوقت المناسب.
•    يجب أن تكون الشركات في مرحلة نضج متقدمة، إما أن تكون منتجاتها متاحة في السوق أو أن تكون جاهزة للإطلاق خلال 60 يومًا من تاريخ الاختيار، لضمان استقرار العمليات واستعدادها للتوسع.
•    لضمان التفاعل المحلي، يتعين على الشركات التي يكون أحد مؤسسيها أردني تسجيلها في الأردن خلال 60 يومًا من تاريخ الاختيار.

تم تنظيم التحدي وفق خارطة طريق واضحة لضمان تجربة سلسة منذ البداية وحتى التنفيذ. بدأت الرحلة بإطلاق دعوة لتقديم الطلبات، تلاها جلسة تعريفية للشركات المهتمة لفهم أهداف التحدي. ثم تم تقديم متطلبات التقديم من مستندات تقنية وتجارية، إلى جانب التوقعات المالية.
بعد مراجعة الطلبات، تم اختيار عدد من الشركات لتقديم حلولها خلال يوم العرض التقديمي (Demo Day) أمام لجنة تحكيم مكونة من ممثلي البنوك الراعية. ثم قامت البنوك بتقييم العروض واختيار الفائزين للانتقال إلى مرحلة الاجتماعات الفردية المعمقة لمناقشة الحلول بشكل تفصيلي. وأخيرًا، بدأت الشركات الفائزة بتنفيذ حلولها بالشراكة مع البنوك، مما أتاح لهم فرصة حقيقية لدفع عجلة الابتكار في تمويل سلاسل التوريد.

________________________________________

من تقديم الطلبات إلى التنفيذ: رحلة المبتكرين في مواجهة تحديات تمويل سلاسل التوريد

شهدت عملية التقديم منافسة قوية، حيث تقدمت 11 شركة بحلولها المبتكرة لمعالجة تحديات تمويل سلاسل التوريد للمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في الأردن. وبعد تقييم دقيق، تم اختيار8 شركات للمشاركة في يوم العرض التقديمي، حيث استعرضت حلولها أمام ممثلي البنوك الراعية لمركز التكنولوجيا المالية جوين. ومن بين هذه الحلول، تأهلت شركتان للمناقشات التفصيلية مع البنوك، وفي النهاية، فازت شركة CreditPlus الناشئة، وهي إحدى شركات برنامج الاحتضان لدى مركز التكنولوجيا المالية - جوين، بتنفيذ إثبات المفهوم (PoC) بالتعاون مع البنك الأهلي وبنك الإسكان للتجارة والتمويل، مما يشكل خطوة مهمة نحو معالجة الحواجز التمويلية في منظومة تمويل سلاسل التوريد المحلية.

خلال الاجتماعات واللقاءات المعمقة مع البنوك الراعية، قامت البنوك الراعية بتقديم ملاحظات وتوصيات حول الحلول لضمان الامتثال لمتطلباتهم. بالإضافة إلى ذلك، لعب البنك الراعي البرونزي، بنك الأردن الإسلامي، دورًا حيويًا في ضمان التزام المنتج بمعايير الامتثال الشرعي. وكجزء من دعم جوباك لهذا التحدي، قامت جوباك بتغطية كامل تكاليف إثبات المفهوم (PoC) للبنوك الراعية. علاوة على ذلك، قامت شركة Credit Plus بإجراء جميع اختبارات الأمان اللازمة بالتعاون مع الجمعية العلمية الملكية (RSS) ، أحد شركاء جوباك، حيث قامت جوباك بتسهيل الاتصال الآمن بين Credit Plus والبنوك، مما قلل من المخاطر الأمنية ومخاطر الشبكة المرتبطة بإدخال منتجات أو خدمات جديدة على البنوك بهدف تسريع العملية وتبسيطها. 

أحد أهم الجوانب الرئيسية خلال تنفيذ تحدي تمويل سلاسل التوريد (SCF) كان التعاون بين شركتين ناشئتين أردنيتين، CreditPlus  و InvoiceQ.  شركة InvoiceQ هي شركة ناشئة أردنية متخصصة في برامج الفواتير الإلكترونية للمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، مما يضمن امتثالها للتنظيمات الضريبية التي وضعتها دائرة ضريبة الدخل والمبيعات في الأردن. لعب هذا التعاون دورًا حيويًا في تعزيز عملية تمويل سلاسل التوريد من خلال مساعدة CreditPlus في معالجة تحدٍ حقيقي، وهو التحقق من صحة الفواتير وتقليل خطر التمويل المزدوج. بعيدًا عن تأثيره على منصة تمويل سلاسل التوريد، تمثل هذه الشراكة خطوة هامة للمضي قدماً في نظام التكنولوجيا المالية في الأردن. من خلال دمج الفواتير الإلكترونية مع حلول تمويل سلاسل التوريد، تعزز هذه الشراكة الشفافية والثقة في المعاملات المالية، مما يشجع المزيد من الشركات، وخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، على اعتماد الخدمات المالية الرقمية. علاوة على ذلك، تعزز هذه الشراكة النظام المالي في الأردن وتشجع على المزيد من الابتكار والتعاون داخل صناعة التكنولوجيا المالية المحلية. 

خلال مرحلة تنفيذ إثبات المفهوم (PoC)، لعبت جوباك دورًا حيويًا كمنسق بين البنوك و CreditPlus، مما يضمن التزام الطرفين ومراقبة العملية من التطوير إلى التكامل، والاختبار، وأخيرًا النشر في بيئة حية مع عملاء حقيقيين. كما تظل جوباك تفتح الباب للبنوك المهتمة في تمويل سلسلة التوريد للمشاركة في إثبات المفهوم. علاوة على ذلك، من أجل تقليل أي مخاطر محتملة على البنوك تتعلق بمعاملات العملاء، قامت جوباك بتولي دور المشتري خلال مرحلة الاختبار لإثبات المفهوم (PoC). تمويل فواتير الموردين من خلال CreditPlus يعزز الموثوقية ويقلل من المخاطر على البنوك. في أواخر فبراير 2025، تم تنفيذ إثبات المفهوم (PoC) بنجاح مع بنك الإسكان في بيئة حية تضم عملاء حقيقيين. وقد حقق هذا الإنجاز جعل بنك الإسكان أول بنك يكمل جميع الخطوات اللازمة للانتقال إلى بيئة الإنتاج.

________________________________________

التدريب المتخصص مع FCI لتمويل سلاسل التوريد

كجزء من الجهود المبذولة لتعزيز تمويل سلاسل التوريد في الأردن، تم تنظيم جلسات تدريبية متخصصة بالتعاون مع FCI، وهي الهيئة العالمية لتمثيل خدمات التخصيم والتمويل التجاري المفتوح. قدمت هذه الجلسات للمصارف الأردنية رؤى متعمقة حول معاملات تمويل سلاسل التوريد، مع التركيز على الأطر القانونية والتنظيمية، ومعرفة المنتجات، وأفضل الممارسات التشغيلية.
من خلال الاستفادة من الخبرة الواسعة لـ FCI وشبكتها العالمية، كان الهدف من التدريب تزويد المؤسسات المالية بالأدوات اللازمة لفهم تعقيدات تمويل سلاسل التوريد، وتحسين خدماتها، وتعزيز النمو الاقتصادي. تعكس هذه المبادرة التزامًا واضحًا بتطوير قطاع مصرفي أكثر قوة وكفاءة، مما يسهم في تدفق أكثر سلاسة للتمويل وتعزيز الشمول المالي.

________________________________________
 

لماذا هذا التحدي مهم؟

لا يقتصر تحدي تمويل سلاسل التوريد على الابتكار المالي فحسب، بل يهدف إلى خلق اقتصاد أكثر صحة وشمولية، حيث يتم تمكين المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة للنجاح. من خلال مواجهة تحديات التدفق النقدي التي تواجهها هذه الشركات، يفتح التحدي آفاقًا جديدة للنمو ويعمل على تطوير إدارة الأعمال التجارية في الأردن.
نتطلع إلى رؤية المزيد من الحلول المستوحاة من هذا التحدي تتحقق على أرض الواقع، مما يساعد هذه الشركات في الحصول على التمويل اللازم للنمو والاستقرار. ومع استمرار الرحلة نحو حل مشكلة تمويل سلاسل التوريد، فإن الدعم المستمر والابتكار سيضعان المؤسسات في وضع أفضل للمساهمة في اقتصاد أقوى وأكثر استدامة.

[1] غرفة صناعة عمّان: https://jci.org.jo/Chamber/Services/Sectors/80095?l=en